ما الحكمة من حفظ القرآن الكريم غيباً، ونحن الآن نستطيع قراءته مباشرة من المصحف في أي وقت؟ وقد كان حفظ القرآن في عصر الرسول والصحابة لعدم وجود مصحف مجموع في كتاب واحد.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
ففي حفظ القرآن الكريم تحقيق لقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [سورة الحجر: 9]، فهو كما يحفظ في السطور كذلك يحفظ في الصدور، فلو حاول إنسان أن يحرف ما في السطور، فيرده الحفاظ الذين حفظوه في الصدور، والحافظ للقرآن يقيم بما يحفظ الحجة على المخالف إذا استدعى المقام ذلك، والقرآن جنة في صدر حافظه أنى ذهب كانت معه، فلو منع عنه المصحف في مكان ما، فمعه القرآن في صدره وقتما شاء يتلوه، والمصلي خصوصاً الصلاة المفروضة سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً، لا بد أن يكون حافظاً لشيء من القرآن يقيم به صلاته، ولحفظ القرآن فوائد وفضائل نذكر منها ما يلي:
1. حفظ القرآن سنة متبعة, فالنبي صلى الله عليه وسلم قد حفظ القرآن الكريم، بل وكان يراجعه جبريل عليه السلام في كل سنة، كما في مسلم عن فاطمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل عام مرة، وإنه عارضه به في العام مرتين.
2- حفظ القرآن ينجي صاحبه من النار, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو جمع القرآن في إهاب ما أحرقه الله بالنار. رواه البيهقي، وصححه الألباني.
3- أنه تنال به الشفاعة كما في الحديث: اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه. رواه مسلم
4. أن القرآن يرفع صاحبه في الجنة درجات كما في الحديث: يقال لصاحب القرآن يوم القيامة اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها. رواه أحمد والترمذي وأبو داود وصححه الأرناؤوط والألباني.
5- أنه جعل تعظيم حامله من الأدلة على تعظيم الله تعالى، ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط. رواه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد، وحسنه الألباني.
6. أن حفظة القرآن هم أهل الله وخاصته، فقد روى النسائي وابن ماجه وغيرهما من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لله أهلين من الناس، قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته. والحديث صححه الألباني.
7- أن حفظ القرآن سبب الرفعة في الدنيا والآخرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين. رواه مسلم.
8- تقديم الحافظ لإمامة الصلاة على غيره. ففي صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى.
9- إلحاق منزلته بأهل الخير، كما في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة. متفق عليه.
10- أن الغبطة الحقيقية تكون في حفظ القرآن، ففي الحديث: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب، فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار…….الحديث. متفق عليه.
11. أن حفظ القرآن وتعلمه خير من الدنيا وما فيها، ففي الحديث : أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من أربع ومن أعدادهن من الإبل. رواه مسلم.
والله أعلم.