في المقال السابق (قصة ارتباطي وما لم يكن في الحسبان) رصدٌ لظاهرة دعوية مفادها توقف البيت عن آداء دوره التربوي والتعليمي، ومحاولةٌ للبحث عن بيئة دعوية مناسبة لإعداد الزوجة لتعليم الأبناء وتربيتهم إحياءً لدور البيت في تعليم الأبناء؛ وفي المقال السابق أننا نزلنا ساحة السلفيين ولم نجد فيها بغيتنا، فانتقلنا لرياض القرآن الكريم العطرة (حلقات التحفيظ). وعملًا بما أوصانا الله به في كتابه من النظر والتفكر فيما نمر به أو يمر بنا، كنت أسجل الملاحظات وأعيد النظر فيها مرة بعد مرة؛ وهذا نتاج تأملي في ظاهرة التحفيظ لقرابة عقد ونصف من الزمن:
حفظ القرآن الكريم وتحفيظه عمل تخصصي، بمعنى أنه فعل فئة من الناس، وليس كل الناس، ولم يكن كل الصحابة والتابعين حفاظًا ومحفظين للقرآن الكريم، ولن يكون كل الناس حفاظًا ومعلمين للقرآن الكريم، ولذا جعل الله التزكية على التلاوة لا على الحفظ، قال الله تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (آل عمران: 164)؛ وما يحدث عمليًا هو أن فئة معينة من الناس يمن الله عليها بتعلم القرآن وتعليمه، وغيرهم فريقان: فريق يأوي إليهم ويتعلم تعليمًا مجملًا.. يحسِّن تلاوته ويحفظ بعضًا من كتاب الله؛ وفريق ربما لا يسمع بهم أو لا يهتم بحالهم أو يسمع بهم ولا يهتم. وهكذا الناس في كل مجال: تجدهم ثلاثة: مختصون، ومثقفون في هذا المجال، وغافلون عنه.